أكثر من 60 نوعاً... من إبداع "حلب" وجيرانها..

أكثر من 60 نوعاً... من إبداع "حلب" وجيرانها..

بعض أسرار المطبخ التراثي الحلبي

يعتبر المطبخ الحلبي من التراث اللامادي الذي تشتهر به مدينة "حلب" إضافة إلى تراثها الغني عن التعريف، وفي الوقت ذاته ارتبط اسم المطبخ بأسماء عائلات كثيرة وأشخاص مازالت هذه الكنى ترافقهم حتى زماننا هذا ومنهم "بيت الطباخ" و"بيت المخللاتي" و"بيت الشوا" وذلك نسبة إلى مجال عملهم الذين عرفوا من خلاله ضمن أقسام المطبخ.


ويقول "أبو العلاء المعري" في كتابه الشهير "رسالة الغفران" إن الله تعالى اختار طباخين من "حلب" ليكونوا مسؤولين عن مطبخ الجنة، نظراً للشهرة الكبيرة التي يتمتع بها المطبخ الحلبي في تنوع مأكولاته وفي طرق تحضيرها.

eAleppo زار مطبخ "فريشتي" بـ"حلب" يوم الجمعة 26/9/2008م في جولة داخلية، وهو مطبخ يقدم المأكولات الحلبية التراثية المنسية بالإضافة إلى تقديمه للطبخات الحديثة بقالب حلبي 100% والتقى بالسيد "شكري قيومجي" الذي حدثنا عن "فريشتي" ونشأة فكرة مطبخه وماذا يقدم؟،

فأجاب: «نحن اخترنا كلمة "فريشتي" لأنها كلمة لاتينية قديمة والمعنى الحرفي لها "الوجبة الطازجة"، وبداية الأمر نحن كنا نمول شركات الطيران بالوجبات اليومية ومن ثم توسعنا ورأينا أن البلد بحاجة لنوع جديد من الوجبات الجاهزة "بنَفَس" أيام زمان، فقدمنا الوجبات الجاهزة والمأكولات التراثية وتخديم الحفلات الخارجية، وأنا أشرف على هذا المطبخ مع أخي وشريكي "جورج قيومجي" ونحن في الأصل نعشق فن الطبخ ، فأنا عملت في فندق "الأمير" لمدة تسع سنوات، حيث بدأت في قسم حجز المطاعم وتخرجت منه مديراً للإطعام والمطاعم، وقد أوكلت إلي مهمة إضافية هي إدارة وتنسيق الحفلات الخارجية الخاصة والأعراس والمناسبات الرسمية رفيعة المستوى».

*من الذي شجعكم على فكرة تأسيس مطبخ تراثي وإعادة طبخ الأكلات التراثية؟ فأجاب: «ما شجعنا على هذه الفكرة هو أن جذور عائلتي الحلبية والتي لها دور كبير في نقل فن الطبخ إلينا، فجدتي جذورها من مدينة "ماردين" والتي لا تزال موجودة وعمرها يقارب الثمانين عاماً، وهي من الطباخات الماهرات في "حلب" والتي تتمتع بنفس رفيع في المطبخ، بالإضافة إلى جدي الذي تعود جذوره من مدينة "أورفا" والذي ينطبق عليه المثل الحلبي القائل "بيحب بطنه وبيعشق المطبخ واللقمة الطيبة" فمائدة منزلنا كانت ولا تزال عامرة دائماً، ووالدتي هي من أهم المشجعين لنا في
هذا المجال والتي تمدنا بالدعم المعنوي والمادي، فهذه الأسباب كلها جعلتنا نتعلق بهذه المهنة، أما فكرة مطبخ "فريشتي" قامت على أساس إرجاع المطبخ الحلبي الأصيل والتراثي وبدأت معنا من مطبخ بيتنا وتنوعه حيث يحتوي على أطباق من المطابخ العالمية والتراثية الفريدة، أي الطبخ الذي هناك نسبة كبيرة من الناس محرومون منه لأسباب مختلفة، وبما أن ظروف الحياة اختلفت عن السابق فأصبح هناك الرجل العامل والمرأة العاملة لم يعد هناك الوقت الكافي لإعداد وجبة كاملة فنحن اختصرنا الموضوع وقدمنا الوجبة جاهزة وبسعر ينافس في الأسواق مع الحفاظ على المستوى المتميز للوجبة، وبدلاً من أن يتناول أي شخص مثلاً وجبة سريعة من "الهامبرغر" أو "البيتزا" وهي وجبات غير صحية كما ثبت علمياً، لماذا لا يتناول الأطفال وجبة كاملة الفوائد كوجبة "يبرق" أو"محشي" أو" كبة"».

عن "الطبخات" أو المأكولات الحلبية التراثية وماذا يقدم "فريشتي" التقينا السيد "جورج قيومجي" وهو الأخ الأصغر للسيد "شكري" وشريكه في المطبخ فقال: «نحن بمطبخنا نعمل حوالى90% منه على إعداد الوجبات التراثية المنسية من مثل "الكبب" والتي لدينا حوالى /60/ صنفاً ونوعاً منها، وبالتأكيد هي ليست حلبية خالصة بمعظمها لكننا أخذنا من المطابخ التي حولها بعض الأشياء وقدمناها في طبق حلبي خالص أسميناه "استعراض فريشتي"، ففي سورية تجتمع عدة حضارات وكل حضارة تتميز عن الأخرى بطبخاتها الخاصة، ومنها أخذنا أصنافاً للكبة، فهناك الكبة القادمة من "الجزيرة" ومن "أورفا" ومن"عنتاب" ومن "ماردين" ومن "أنطاكية" ومن "الموصل" ومن "طرابلس - زحلة" فجمعنا هذه الكبب في طبق واحد هو الطبق الحلبي التراثي، ونحن نقدم الكبب الحلبية والكبب اللبنانية والكبب الماردلية والكبب الأنطكلية والكبب العنتبلية والأورفلية والموصلية وغيرها، وفي كل يوم نحن لدينا أطباقاً جاهزة من المطبخ القديم والمطبخ الحديث ونقدم في المطبخ القديم الأكلات التي لم تعد
تطبخ كـ" الكبة الجزرية " وهي كبة معروفة جداً لكنها لم تعد تقدم، و"الكبة القرعية" و"كبة برمان" ومرافق للوجبات متل "الست غليلة" وهي أصناف منسية يحاول مطبخ "فريشتي" تقديمها بنفس بيتوتي خالص، كما أننا نقدم وجبات وطبخات تحاول المساعدة في تقديم المنزل فمثلاً نحن نصنع من "لب الباذنجان" طبخة أخرى ونقدمه مثل "إمام بايالدي"، ومن "لب الكوسا" أكلة "المتومة" بالإضافة إلى جميع الطبخات التي يفتقد إليها الناس في عصرنا».

عن كادر مطبخ "فريشتي" وتوزعهم أضاف السيد "جورج": «نحن لدينا كادر مدرب مؤلف من نساء طباخات يشرفن على طبخ "الكبب واليبرق والمحاشي واليلانجي والسندوانات" وغيرها، وطاقم من "الطباخين" الرجال الذين يقدمون "المناسف والأكلات الحديثة المعروفة" حتى إنه لدينا طريقة مختلفة في تقديم "المنسف" تتميز عن الطريقة المعتادة والمؤلفة من "رز وفريكة" طبقتين، فنحن نقدم "الفريكة والرز" معشقتين مع اللحمة بالطريقة البيتوتية وهي طريقة تركية أصلاً، كما أننا نتميز ببهارات وتوابل خاصة بنا نستحضرها من سوق "العطارين" وغيره».

من هم زبائن "فريشتي" سؤالٌ يجيب عنه السيد "جورج" قائلاً:

«زبائن فريشتي هم كثر للغاية في "حلب" ومن المغتربين والذين اعتادوا على مطبخنا وخصوصاً أيام العزائم والولائم فيختارون مثلاً عشرة أنواع من الكبب كتشكيلة وعدة أنواع من المحاشي، بالإضافة إلى أن هناك زبائن تأتي إلينا في كل شهر لترسل وجبات "الكبة" إلى أقربائها في أوروبا وكندا وأمريكا والذين هم محرومون من هذه الأكلات، كما يقدم مطبخ "فريشتي" خدمة توصيل الوجبات إلى كافة مناطق "حلب" مجاناً وعلى الموعد الذي يحدده الزبون.

كما التقينا بالسيد "فادي دوغنجي" وهو أحد زبائن مطبخ "فريشتي" ليحدثنا عن سبب إقباله على مطبخ "فريشتي" فيقول:

«أنا في السادسة والثلاثين من عمري ومتزوج ولدي طفلين وأنا زبون بشكل دائم للمطبخ التراثي القديم، لأني أعشقه ولذلك اطلعت على
وجباته بشكل كامل وأعجبت بالفكرة على الرغم من أن زوجتي تطبخ في المنزل إلا أنَّه بشكل قليل، فزوجتي تعمل معلمة وأنا في مجال الصحافة وليس لدينا الوقت الكافي للطبخ وبصراحة لم نشعر بالفرق فوجبات المطبخ منتظمة وتحافظ على توازنها، في حين أن طبخة البيت توازنها متزعزع فمرة نلاحظ ازدياد الملح في الطعام وأخرى نلاحظ عدم الاستواء وغيره، بالإضافة إلى أنَّ المطبخ يقدم وجبات تختلف عما يقدم في المطاعم من وجبات تقليدية وهنا الفرق».

عن الفرق في مصروف الطعام خلال الشهر ما بين الطبخ المنزلي وشراء الوجبات من المطبخ التراثي أضاف:

«لا يوجد فرق على الإطلاق، وأنا شعرت بالتوفير بالمصروف، فمثلاً أنا أطلب وجبتين أوثلاثة وبتكلفة /600/ أو /700/ ليرة سورية في حين إذا أردت أن أطبخ هذه الوجبات في منزلي فالتكلفة ستتجاوز الـ/2500/ ليرة سورية والفرق واضح، لكن الطبخ في المنزل يتميز بوفرته وديمومته لأكثر من يوم، في حين أن وجبة المطبخ التراثي هي لليوم الواحد فقط».

أما السيد "شادي أبو الشملات" وهو من مدينة "اللاذقية" ويعمل موظفاً، والذي التقينا به في مطبخ "فريشتي" وسألناه عما يعني له المطبخ التراثي الحلبي؟

فقال :«نسمع كثيراً بالمطبخ الحلبي وأكله الطيب، وأنا أفضل منه "الرز والفريكة والكبة السفرجلية"».

هل هناك شروط أساسية لنجاح فكرة إعادة إحياء المطبخ الحلبي التراثي؟ فقال:

«بالتأكيد نعم، وأولها أن يكون صاحب المنشأة كريماً وجواداً في طبخته وصنعته أي أن يعطي للطبخة حقها من اللحم والمكسرات والسمن وألا يكون بخيلاً لأنه لن يكون حينها طباخاً بل سيكون تاجراً».

وفيما إذا كانت فكرة العودة للمطبخ الحلبي القديم مقبولة بين الناس في ظل انتشار واسع للوجبات السريعة في الأسواق قال:

«بالنسبة للمطبخ الحلبي له اسمه وعراقته والناس يعرفونه تماماً، أما الوجبات السريعة في عصرنا هي صرعة و"موضة" قابلة للزوال وخصوصاً بعد أن أثبت العلم أضرارها على جسم الإنسان وعدم فائدتها له».

زياد عرفة